الكاتب القصصي والروائي
بركات الساير العنزي
من مجموعتي القصصية الثانية
حوار الطرشان
ط.دار النوارس.الاسكندرية
حوار الطرشان ج١
......في زاوية من الكافتيريا في كلية الآداب جلسن يتسامرن بأحاديث مختلفة تهم البنات، وكلما انتهين من حديث يفتحن حديثا آخر، وأحيانا لا يكملن الموضوع تقاطع إحداهن الأخرى وتغير مجرى الحديث ، أشبه بحديث الطرشان .واحدة منهن اتكأت على الطاولة وراحت تدندن زي الهوى يا حبيبي ، زي الهوى وآه من الهوى ... وترد الثانية بأغنية سواح وماشي قي البلاد ....الجميع يعشقن عبد الحليم حافظ ...واحدة منهن التزمت الصمت .. وأخرى راحت تصفق وتتمايل ...جميعهن في سفينة ينقصها الربان.
قالت حلا : آه... من الدكتور أحمد، لا يعجبه العجب ولا الصيام برجب. تعبت في إعداد البحث ولم يعجبه أثناء المناقشة. لابد من الأخطاء .. إنه يخلق لك الخطأ مهما كنت قوية .
وردت إخلاص : ولكنه متمكن ومثقف ، وقد وضع لي درجة جيدة في البحث ، لم أجد منه ما يزعجني .. قاطعتها حلا بعصبية ، اسكتي أنا أعرف طريقتك المعروفة تعطينه ابتسامة جميلة ، فتسيطرين على عقله كما تقولين.. ضحك الجميع وقالت لواحظ : افعلي مثلها ، ما الذي يمنعك يا حلا ؟ واسمك حلا .
أعطيه من الحلاوة ولو القليل القليل . ردت حلا بتوتر :
لو أستطيع قتله لقتلته وخلصت الطلاب والطالبات من شره ، .. يريد أن يظهر نفسه من خلال طلباته المستحيلة ، انظري إلى قوائم الناجحين في مقرره ، يأخذ الدرجة الأولى في عدد الراسبين في مقرره ..
قالت طالبة أخرى لتدعم رأي حلا ، نعم هذا صحيح ، بعض الدكاترة يسعون إلى الشهرة من خلال التعجيز، وترسيب الطلاب دون وجه حق .. قلن لي من هي الطالبة التي نجحت عنده من الدور الأول؟ .
سكت الجميع وقد اندهشن من رأي الطالبة ضحى .
اقترب شاب وسيم من المجموعة ، سلم على المجموعة بحياء شديد ، رددن السلام وراحت عيونهن تلاحقه. رحبت به حلا كثيرا وطلبت منه الجلوس وقالت لصديقاتها هذا أخي نادر سنة ثالثة في كلية الهندسة ،
قسم الميكانيك .. رحبن به ، أرادت لواحظ أن تقطع صمته ، فقالت :- ألا تلاحظ أن هناك فرقا بينك وبين حلا ؟. قال ما هو ؟ قالت أنت ما شاء الله عليك . ولكن حلا لسانها طويل ، لو قطعت لسانها في الصغر لخلصت من شرها في الكبر. ضحك الجميع لكلام لواحظ ، فقالت حلا .. سأرد الكلام يا لواحظ ولكن في الوقت المناسب . انتبه نادر لكلمة لواحظ وعرف الفتاة المقصودة التي حدثته أخته عنها .
وقال: ولكن هذه فصاحة وبلاغة وقدرة على المحاورة ، ضحكت لواحظ وقالت : وهل أنت مثلها ؟ فقال هي أختي ولا أتخلى عنها . ولكن بإمكاني أن أساعدك عليها ، فقاطعته حلا بسرعة تخليت عني يا نادر ، آه من حواء التي تأسر الرجال !! . ولم تسقط عينا نادر عن لواحظ طوال الجلسة . تمثل شكلها ووجهها وكلامها خلسة .. وبالرغم من خجله فقد أطال النظر والتمحيص والكلام . . أراد نادر جذب الاهتمام نحوه وخاصة من لواحظ .فقال :
- هل الحياة كلها دراسات وواجبات وبحوث؟ .لا بد من الراحة ، لننس موضوع الجامعة والدراسة.
ما رأيكم بالانتخابات الطلابية ؟ هل أرشح نفسي ؟ أعتمد على أصواتكم وأصوات الأصدقاء .. وردت عليه ضحى ، ومعروفة بذكائها واتزانها وجديتها في الحديث والمناقشة .
- لن تنجح يا نادر لو جمعت كل أصوات الدنيا . الأفضل برأيي أن لا تشغل نفسك بهذا الموضوع . وانتبه لدراستك .
قالت لواحظ،هي الانتخابات نفسها كل عام النجاح فيها بالتزوير،تنجح قائمة المنبوذين والضعفاء والذين لاكلمة لهم،ولا شخصية،
قالت ضحى كلها تزوير لا تتعب نفسك،
نحن مثل الأطرش في العرس ، لا نسمع ولا نرى . تفاجأ نادر من كلام ضحى أراد أن يحرك لواحظ فقال : هذه سلبية في الحياة ، يجب أن نكون إيجابيين ،قالت ضحى :الإيجابيون هم الخاسرون .
اقتنع نادر بكلام ضحى .. أعجب بمنطقها ، وعقلانيتها ، ولكنها لم تكن جميلة مثل لواحظ.
....خرج الجميع من بهو الجامعة ، وانفرد نادر عنهن يفكر بلواحظ ، وخاطب نفسه إنها جميلة و محببة ولكنها ملسونة أكثر من حلا ، ولكنها ليست أجمل من ابنة عمي ، ابنة العم العنيدة المغرورة ،أحبها ولا تدري بي ، ما عساي أن أفعل معها ؟، مغرورة أكثر من الغرور نفسه ، لا تكاد تكلمني ، كأني في خصومة معها ، أكلمها فلا ترد علي ، أبتسم لها فتقابلني بعبوسها ، ماذا أفعل معها ؟! أنا أريدها ، وأمي وحلا لا يريدانها ، هذا حوار الطرشان ، لا أحد يسمع لك ، ولا أحد يفهم مشكلتك . ومع ذلك لا يرى أمامه إلا صورتها ، بيضاء جميلة ، صافية البشرة ، عينان سوداوان ، والأجمل من هذا كله الشعر الغزير والجميل المرسل على الأكتاف .. لو عرفت سبب النفور بين عائلتينا لحللت هذه المشكلة. كان يمشي أشبه برجل يهذي .. ووراءه صديقه يصيح به ولكن نادر لم يكن يسمع أو يرى ، كان يحدث نفسه ، إنه حديث الطرشان .
..... كانت لوا حظ تسرع بمشيتها وتقدمت على باقي الصديقات والأصدقاء .صاحت بها حلا ... لوا حظ .. لو احظ.. لم َ تجرين بسرعة ؟ ، لا أستطيع اللحاق بك ، كأنك في سباق مارتون . ضحكت لواحظ وأجابت :
لو دخلت السباق لفزت فيه .. آه من عيون أخيك تلاحقني ، لم تترك لي الفرصة في الكلام . لقد صدته مرات عديدة وهو ينظر إلي بدهشة ... أخوك لم ير بنات في حياته،،،،