استراحــــــــــــــــــت الطبيـــــــــــعة
كانـــت أيــامُ كورونــا أيــامَ استراحــة للطبيـــعة،مــن إذايــة أبنائهـــا وعقــــوقــهم لهـــا.
فكيــف كانــت الشواطــئ والبحـــار والبحيــرات والأنهـــار والمجـــاري،والينابــيع قبـــل زيارة كورونــا !؟... وكيــف كانــت الغابـــات والأعشـــاب والأشجــــار !؟
وكيـــــف كانـــت المصطـــافات والمتنَـــزهات والبـــاحات والســـاحات والشـــوارع والطـــرقات !؟...وكيـــــف كانـــت الحيـــوانات والطـــــيور والأســـماك والحشـرات!؟... وكيـــف كـــان الإنســـان والمـــلائكــة والجـــن والريـــاح والطقـــس والهــواء !؟...
فهنـــاك وهنـــاك وهنـــاك:
ضوضــــاء وزحـــام، وأدخــــنة وروائــــح كريــــهة، وفضــــلات الطعـــام، وبــراز الإنســـان، وأوراق مختلـــفة، وعلـــب ورقيــة، و(بلاستيكـــية) ومعدنيـــة، وأكيــاس مختلفـــة الألــوان، وزجـــاج مكســر عمـــداً، أو مشتــــت قصـــداً...
فــــــأي هـــــــــــــواء،وأي طقــــــس وأي منـاخ يتكــــون مـــن كـــل ذلــك ؟..
واي مشهــــــد واي منـــظر، بـــل أي راحـــــة للنـــــفس وأي لـــذة للعيـــن فـــي بيـــئة أوذِيــــت وعــوقِـــبَت مـــن قـــبل أبنائـــها العاقـــــــين لهـــا أبشــع عقـاب وأوسعـــــه !...
كنـــــت يــــومــاً مــع فـــلاح، فأخـــذ يتكلـــم مــع شجـــرة : مــــالي أراك شـــاحبة؟..مـــا الذي يــؤذيــك ؟...هـــل قصـــرت فـــي العنــــاية بــك ؟..
لقـــد شــذبــتُ اليــابس مــن أغصــــانك، وخففـــتُ المـــزاحـــِم مــن فروعــك، وســـترتُ العاري مــن جـــذورك، واقتلعـــتُ الأعشــاب مــن حولــك، وجعلـــتُ لك حوضــاً يجتـــمع فيـــه المـــاء، ووضعـــتُ فيـــه سمــــاداً يختلـــط بالتربـــة المرويــة،فتتــغَذيــنَ منــه بإذن اللــه، لــم أبخــل عليـــك بمــا أطيــق، أمـــا الغيـــث والهـــواء فمـــن عـــند ربـــي وربــــك، وأســـأله أن يَقِيَـــك شـــر الإنســـان والحيـــوان والحشـــرات !...
فلمــا التفـــت إلـــي قلــتُ لــه: كيـــف تكلـــم شجـــرة كأنــها تعقــل عنــك ؟ فقـــال:
إنـــي أعلـــم شكـــواها إلـــي مــن حـــالها، وأرى أنــها تستحــق العنـــاية أكثـــر مـــن الدواب والأنعـــام، لأن هـــذه تتحـــرك وتصــــيح، والشـــجرة لا تتـــحرك ولا تصـــيح !..
فيـــا حبـــذا لــو اشبهــــت علاقاتـــنا - بالطبيـــعة عـــلاقة هــــذا الفــلاح ببستـــانه!
وفـــــي أوائـــل الستينيــــات مـــن القــــرن العشريــن كنـــت تلمـــيذاً بفــــاس، وكنـــت أجــد نشـــاطي، وتتحــــرك مشـــاعري فـــي حديــــقة " جنــان السبيــل" ومــــا أدراك مـــا " جنان السبــيل" يومئـــــــذ !
مـــــا إن مـــددت يـــدي يومـــاً لأنـــزع ورقـــة واحـــدة مـــن شجـــرة، حتــــى دوت صـــفارة الحـــارس فــــي أذنـــي، وأســـرع نحـــوي صارخـــاً متوعـــداً ومعلـــماً :
'إذا نـــــزع كــــل زائــــر لهــــذه الحديـــقة ورقـــة، أو وردة أو زهـــرة أو غصـــنا أو...أو... فهــــــل يبقـــــى هـــــذا " جنـــــان السبــــــيل" !...
ومــــرت الأيــــام، وكثـــــر العاقـــــون للبيـــــئة وللحـــق العـــــام ! فإذا بـــي أقــف فـــي بعـــض أســـواق الضـــواحـــي لفــــاس علـــى شـــخص يبيـــع أسمـــاكاً ملونـــة، فنـــظرت إليــــه وقلـــتُ- كــــي لا أحرجـــــه، أو يحــــدُث لـــي مـــكروه - هــــل صــــدته بنفــــسك، أو اشتريــــتَه مـــن غيــــرك ، إنـــــه ســــمك جنــــان السبـــــيل، فقـــال - وكأنـــــه تلطــــف معـــي، اشـــــتر أو انصـــرف !
فهـــــــل يبَــــــرًّ الإنســـــــــــان الطبيــــــــــــــــــــعة بعـــــــد رحــــــيل كـــــورونــــــــا ؟؟...
د.محمـــد أبــــياط/
No comments:
Post a Comment