«أَحِنُّ لِلزَّمَنِ الَّذِي وَدَّعتُهُ!»
(قَصِيدَةٌ عَلَى مَقَامِ ضَادِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ)
ـــــ شعر يحيى الشيخ ـــــ
****************
نَطَقَ الْغَرَامُ بِحُبِّ لَيْلَى مُذْ غَذَا
ـــــ قَيْسُ الْهَوَى بِغَرَامِهَا مَفْتُونَا
فِي التِّيهِ يَرْحَلُ هَائِمًا مُتَوَلِّهًا
ـــــ بِالشِّعرِ يَلْهَجُ تَائِهًا مَجْنُونَا
وَكَقَيْسِ لَيْلَى الضَّادُ لِي وَجُنُونُهَا
ـــــ يُحْيِي جُنُونِي فِي الزَّمَانِ قُرُونَا
لُغَةٌ يَغِيبُ قَرِينُهَا مُتَخَفِّيًا
ـــــ بَيْنَ اللُّغَاتِ فَلا تَرَاهُ قَرِينَا
تَفْنَى اللُّغَاتُ وَحَرْفُهَا مُتَوَهِّجٌ
ـــــ مَنْ خَطَّهُ أَضْحَى بِهِ مَسْكُونَا
اُكْتُبْ لِتَعْرِفَ أَنَّ يُمْنَاكَ الَّتِي
ـــــ كَتَبَتْ يَمِينًا أَكْسَبَتْكَ يَقِينَا
وَاقْرَأْ كَأَصْحَابِ الْيَمِينِ تِلاَوَةً
ـــــ لِتَرَى الْجِنَانَ وَقَد جَلَسْتَ يَمِينَا
وَلَكَمْ تُقَبِّلُنِي اللُّغَاتُ فَلا أَرَى
ـــــ فِي ذَوْقِهَا قُبَلاً وَلَوْ تِسْعِينَا!
اَلضَّادُ لِي لُغَةٌ مَتَى نَطَقَتْ بِهَا
ـــــ شَفَةُ اللُّغَاتِ غَدَا الْكَلامُ رَزِينَا
تُتْلَى بِهَا الْآيَاتُ كُلَّ دَقِيقَةٍ
ـــــ مُذْ عَهْدِ أَحْمَدَ تَرْفُضُ التَّلْوِينَا
اَللهُ شَرَّفَ أُمَّةَ الْأَعْرَابِ إِذْ
ـــــ بالضَّادِ أَوْحَى وَاصْطَفَى الْمَأْمُونَا
لَوْ شَاءَ بَاتَ الضَّادُ مُنْكَسِرًا كَمَا
ـــــ فَنِيَتْ لُغَاتٌ وَانْتَهَى مَدْفُونَا
لَكِنْ تَعَظَّمَ مُذْ غَدَا التَّنْزِيلُ فِي
ـــــ طَيِّ الْحُرُوفِ كِتَابَنَا الْمَكْنُونَا
فَأَتَى الْكَلاَمُ مُحَصَّنًا بِجَلاَلِهِ
ـــــ وَمُبَجَّلاً لاَ يَقْبَلُ التَّلْوِينَا
وَحَبَاهُ بِالنَّحْوِ الْجَمِيلِ صِيَانَةً
ـــــ كَيْ لاَ يَشِبَّ مُهَجَّنًا مَشْحُونَا
هَلْ كَانَ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا
ـــــ ذِكْرٌ يَظَلُّ مَدَى الزَّمَانِ حَصِينَا،
لَوْ لَمْ تَكُنْ لُغَةُ الْعُرُوبَةِ فِيهِمُـ[و]
ـــــ ضَادًا وَعِلْمًا فِي الصُّدُورِ مَصُونَا؟
لُغَةٌ تَدَاوَلَتِ الْعُلُومَ وَأَحْسَنَتْ
ـــــ وَغَدَتْ بِفَضْلِ رِجَالِهَا تَلْقِينَا
عَطَبٌ بِهَا، قَالُوا وَلَيْسَ لَهَا غَدٌ
ـــــ كَلُغَاتِ هَذَا الْغَربِ كَيْ تَحمِينَا
وَتَرَى أَمَازِيغًا وَكُرْدًا إِنْ أَتَى
ـــــ دَاعٍ يَسُبُّ إِلَهَنَا وَالدِّينَا
وَيَقُولُ: يَا عَرَبًا لَكُمْ لُغَةٌ هَوَتْ
ـــــ زِدْتُمْ بِهَا فِي شَعْبِنَا تَمْكِينَا!
هَيَّا اخْرُجُوا مِنْ أَرْضِنَا وَتَعَلَّمُوا
ـــــ لُغَةَ الْأَعَاجِمِ وَاهْجُرُوا وَادِينَا!
يَا خَيْبَتِي وَالفُرقَةُ الزَّرْقَاءُ فِي
ـــــ دَمِنَاِ يَدٌ كَمْ تَعْشَقُ السِّكِّينَا!
هَذِي الْعُرُوبَةُ تَنْحَنِي فِي ذِلَّةٍ
ـــــ مِنْ بَعْدِ عِزٍّ اِنْتَهَى مَلْعُونَا
نَهْوَى لُغَاتِ الْغَرْبِ نَخْطُبُ وُدَّهَا
ـــــ وَنَقُولُ لَمَّا نَخْتَفِي: آمِينَا!
وَنَظَلُّ نَطْعَنُ فِي الْعُرُوبَةِ غِيلَةً
ـــــ لَكَأَنَّهَا قَيْدٌ لَوَى أَيْدِينَا!
هَلْ كَانَ هَذَا الْقُدْسُ يَنْدُبُ رَاكِعًا
ـــــ لَوْ نَحْنُ كُنَّا لِلشَّرِيفِ حُصُونَا؟
أَوْ كَانَ هَذَا الْحُبُّ فِي أَرْحَامِنَا
ـــــ يَنْمُو وَيَسْقُطُ فِي النُّزُولِ جَنِينَا؟
وَيَمُوتُ فِي الْعَرَبِ الَّذِينَ تَشَرَّدُوا
ـــــ إرْثٌ تَبَدَّدَ مُذْ غَدَا مَرْهُونَا
لُغَةَ الْعُرُوبَةِ أَيْنَ ضَادُكِ إِنَّهُ
ـــــ مُذْ غِبْتِ شُرِّدَ وَانْتَهَى مَغْبُونَا؟
وَلَكَمْ أَفِيقُ وَلَمْ أَنَمْ فِي وَحْدَتِي
ـــــ إِلاَّ دَقَائِقَ كُنَّ خِلْتُ سِنِينَا
فَأَحِنُّ لِلزَّمَنِ الَّذِي وَدَّعْتُهُ
ـــــ لَمَّا حَلُمْتُ وَكُنْتُنِي هَارُونَا
فِي عِزِّ مَمْلَكَتِي الْقَصَائِدُ لاَ تَنِي
ـــــ وَيَزِيدُهَا ضَادُ اللِّقَا تَزْيِينَا
وَأَرَى بِهَا كُتُبًا تَفِيضُ قَدَاسَةً
ـــــ لَمَّا يُلاَمِسُ جِلْدُهَا الْمَأْمُونَا
وَأَرَى، أَرَى بَغْدَادَ تَلْعَنُ فُرْسَهَا
ـــــ وَالْبَرمَكِيَّ مُكَبَّلاً مَسْجُونَا
وَأَرَى اللُّغَاتِ، إِذَا تَحَرَّكَ ضَادُنَا
ـــــ رَفْعًا، تُشَكَّلُ فِي الْبِنَاءِ سُكُونَا
وَأَرَى بِلادَ الرُّومِ تَخْشَى لاَءَنَا
ـــــ لَمَّا نُجَرِّدُ سَيْفَنَا الْمَسْنُونَا
اَلْحُلْمُ لِي ضَادِي الَّتِي ضَيَّعتُهَا
ـــــ فِي الْحُلْمِ لَمَّا قَد غَدَوْتُ مَهِينَا
لاَ تَسْأَلِي رَجُلاً تَمَلَّكَهُ الْهَوَى
ـــــ هَلْ أَنْصَفَتْ لُغَةُ الْهَوَى مَحْزُونَا؟
إِنِّي تُسَائِلُنِي الْكَوَارِثُ جُمْلَةً
ـــــ لِمَ يَنْتَهِي ضَادُ الزَّمَانِ لَعِينَا؟
وَلِمَ الْعُرُوبَةُ فِي الْبِلاَدِ مَصَائِبٌ،
ـــــ لُغَةٌ تَضِيعُ وَبَيْنَهَا مَاضِينَا؟
إِنِّي أَرَى لُغَتِي تَمُوتُ وَكَيْفَ لِي
ـــــ اَلاَّ أَكُونَ بِجَنْبِهَا مَكْفُونَا؟
فَالْحُبُّ يُولَدُ نَاعِمًا وَإِذَا اسْتَوَى
أَبّدًا يَنِزُّ فَجَائِعًا وَشُجُونَا
تَعِبَ الْهَوَى، سَيَظَلُّ حَبْلُكِ وَاصِلاً
ـــــ أَبَدَ الزَّمَانِ كَمَا اشْتَهَيْتِ مَتِينَا!
وَيَزِيدُ مِنْ فَرطِ الْغَرامِ تَوَهُّجًا
ـــــ وَيَزِيدُنِي فِيكِ الْهَوَى تَحْصِينَا
لاَ تَظْلِمِي الْقَيْسَ الَّذِي سَأَكُونُهُ
ـــــ إِنِّي عَشِقْتُكِ ثُمَّ زِدْتُ جُنُونَا
وَإِذَا الدُّمُوعُ سَقَتْكِ سَوْفَ أَكُونُهَا
ـــــ عِنْدَ اللِّقَاءِ مَآقِيًا وَعُيُونَا
عَلَّ الْعُرُوبَةَ تَسْتَفِيقُ وَتَشْتَهِي
ـــــ وَصْلاً قَضَى زَمَنَ الْغَرَامِ حَزِينَا
إِنِّي الْمُحِبُّ وَعَاذِلِي لِي كَمْ بَنَى
ـــــ بَيْنَ السُّجُونِ لِعَاشِقِيكِ سُجُونَا!
أَنْتِ الْقَصِيدَةُ فَاطْرُقِي بَابَ الْهَوَى
ـــــ حَتَّى تُعِيدِي لِلْهَوَى التَّكْوِينَا!
باريس، بتاريخ 16 ماي 2020م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ