انهيار
فؤاد حسن محمد
الوقت ليل ،والقمر وحيد في السماء ، يتسلل ضوءه القرمزي من فراغات أوراق الدالية ،وبالقرب مني يترقرق الماء الدافق متبعا تعاريج الساقية ، وبين الحين والآخر تسمع خربشة حيوان صغير ،توقظ السكون من هدأته ،أنا الآخر أتوحد مع إغفاءة الكون ، يغمرني الصفاء ،فلا تصدر مني نأمة أو حركة ، أسحق كل ضجيج النهار وأحيله إلى عاطفة ،ويخيل إلي أن روحي تفيض في حضرة القمر ،وهاهو يهبني وجه من أحببت بعد أن شخت،وها هو يرميها في وجهي ، مثل قصاصات صورة عديمة النفع،لا يمكن للمرء أن يحيا بلا قمر يسفك على وجهه ضوء طلاسم الماضي.
الآن لا يعرف كلينا أين يسكن الآخر،فلماذا حدث هذا،الأوهام وحدها هي التي تستطيع تحريك العاشقين،راحت تتدحرج أمامي ككرات من بلور،لها رنين ملائكي يناديني:
-أيها الأحمق تعال ...
صوت واهي يهب من مخزن لم يفتح منذ أربعين عاما،له رائحة بعيدة،تناديني،التفت إلى الوراء والأمام،أبحث عن عزاء اللقاء،أنظر مرة أخرى من وراء السياج ،لا يوجد شيء سوى أشجار السرو ،وبإحساس مجهول من الخوف ،رفعت جسدي عن كرسي البلاستيك،ورأيت نفسي أتجه ببطء إلى مصدر الصوت.
سماء الله واسعة ،وأرضه ضيقة لا تتسع حتى شخصين لا يعشقان الله ،ويخيل إلي أن أمشي إلى الخلف:
- حسن ....حسن
همس لا يمكن لأحد أن يسمعه في العالم غيري، همس روحاني.
هل أصبحت أحد الأشخاص المختلين عقليا،أشتري الوهم بسعادة وأضعه في حاوية رأسي،وقعت في غرام صوتها،مضيت نحو الصوت أدور حول البيت بحثا عنها،واصلت البحث تحت شجرة الصفصاف ، وبين العشب على ضفتي الساقية،لم أعثر عليها على امرأتي الأثيرية.
لحظات نادرة،هانئة ومعتمة،المرأة لا تظهر إلا إذا نادتتها باسمها،ساورني الشك إن كان الصوت من رأسي أم هو حلم ضائع،رحت أراقب بحدس العاشقين ،في هذه اللحظة بالذات ،أسمع عنينا من وراء جذع شجرة السرو،ثم أسمع همس خفي:
- حسن ...أنا آمنة
دفقة حب تلعن نفسي،تصنع مني دمية تسحقها تحت قدميها،فأمشي نحوها وأنا أسحق من الدهشة،الكل نائمون،والقمر يميل قبعته فوق الأشجار،يؤرجح ضوءه على الأرض، بينما رأسي منحنٍ إلى البقعة المتسخة،فأبصرت آثار أقدام ، ونقطة دم تلمع فوق عشبة هندباء،ومن مكان مجهول يصلني صوتا:
- أنا هنا
صوت يصنع نجمة خماسية ،ومزيدا من نقط الدم تتلألأ بضوء جديد،قبل أن أخطو خطوة واحدة، تمثل لي الشيء الوحيد الذي أبحث عنه لا ظل له،زيغ،لم تكن عيناي تقعان إلا على أوهام خبيثة،فيما الصوت يصرخ :
- لا تتأخر ...أقترب...
شعرت بعدم الارتياح إلى حد ما،وبدت عيناي كبيرتان،أظن أن هذا الشيء لا يحدث إلا في الأفلام فقط، انتابني شعور من الخوف والانجذاب معا، وعلى خلاف عندما كنت في الجامعة عندما هربت من أمطار حبي الجنونية، لانه كان يكتم نفسي، فأجلس معها في المقصف صامتا، يتفصد العرق من جبهتي، كأني في محرقة ، فقررت الهروب خوفا من الانهيار.
وكعاشق غبي أتخيل آمنة بخيالي الغبي، امرأة تتصاعد من موقد الخيبة، امرأة جميلة تجلس تحت شجرة الصفصاف تغير ثيابها، لكن قلبي بدأ يخفق وبدأت ركبتاي تشعران بالوهن وأنا أتتبع اثر نقاط الدم،تقدمت نحوها، المرأة توقظ الشجاعة في قلب الرجل، لكن يبدو أن لحظة الكشف باتت وشيكة،
صرخت بدون صوت
-
آمنة اخرجي من هذا المكان
لاتزال مختفية، اقتربت أكثر من المنطقة التي يخيمها أنينا سوداويا، وبين تلألؤ قطرات الدم وبريق القمر، لمحت المرأة التي غادرتها في اللاذقية،في لحظة انخطاف الحلم خلفا تذكرت لحظة الافتراق، كنت حزينا ومنكسرا، وكانت تمسك بقوس الفرح المشع من قلب عاشقة،لكننا نحن الاثنان كنا نترنح على حافة الهاوية السحيقة.
النار التي خمدت يستعر أواراها مداورة الاتجاه،الحب الذي خفته ورغبت في أن لايعود، يراودني على نفسي مترعا بالخوف، يجبرني على عيش اليوم الذي مضى مرارا وتكرارا، نظرة أخيرة، تنهيدة أخيرة،لأجل شعرها،عينيها فمها ، لكل شيء فيها، قلت لها في مواجهة من يلفظ نفسه الأخير.
- لا استطيع أن استمر معك.....سأفارقك وأنا أبكي حبي.
لم يتحرك قيها شيء مستفسرا رفضا أو قبولا، بل تفحصت وجهي تستحم بتدرجات الخيبة، صعدت في أنفها رائحة عمياء ،نخرت قلبها، فسالت من عينيها دمعة غاضبة،صبغت الأرض حول قدميها ببقهة حمراء كالدم، وكمحارب منكسر،توغلت درب الهزيمة، مختفيا في عتمة الزحام.
العينان والأعصاب مشدودة إلى مركز الحلم الذي تحقق، غبطة ترجف حواف القلب،أنا متأكد أنها تراني، تتركني وراء فوضى الحواس، وفجأة وفي لحظة رائعة يتحرك ظل أمامي،أفزعني ذلك في البداية،،كانت الدهشة اسبق من الصدمة،امرأة خرجت من خزانة خيالي، لم تغادرني رغم أني غادرتها، خلعت نعلي وطفت في واديها المقدس،بما لا يقوى عليه كثير من العاشقين،لم تتكلم، ولم أتكلم، انحنيت أتحسس حبي عبر ملمس أصابعها، الحب، والخوف، والرغبة، تنبأت لركام البرد في أصابعها، ولبقعة الدم حول قدميها،تهاوى في داخلي أسى الصدمة، فماذا تفعل وأنت أمام أصوات تأتي من وراء المدى بعد تلك السنين.
فؤاد حسن محمد-جبلة-سوريا
فؤاد حسن محمد
الوقت ليل ،والقمر وحيد في السماء ، يتسلل ضوءه القرمزي من فراغات أوراق الدالية ،وبالقرب مني يترقرق الماء الدافق متبعا تعاريج الساقية ، وبين الحين والآخر تسمع خربشة حيوان صغير ،توقظ السكون من هدأته ،أنا الآخر أتوحد مع إغفاءة الكون ، يغمرني الصفاء ،فلا تصدر مني نأمة أو حركة ، أسحق كل ضجيج النهار وأحيله إلى عاطفة ،ويخيل إلي أن روحي تفيض في حضرة القمر ،وهاهو يهبني وجه من أحببت بعد أن شخت،وها هو يرميها في وجهي ، مثل قصاصات صورة عديمة النفع،لا يمكن للمرء أن يحيا بلا قمر يسفك على وجهه ضوء طلاسم الماضي.
الآن لا يعرف كلينا أين يسكن الآخر،فلماذا حدث هذا،الأوهام وحدها هي التي تستطيع تحريك العاشقين،راحت تتدحرج أمامي ككرات من بلور،لها رنين ملائكي يناديني:
-أيها الأحمق تعال ...
صوت واهي يهب من مخزن لم يفتح منذ أربعين عاما،له رائحة بعيدة،تناديني،التفت إلى الوراء والأمام،أبحث عن عزاء اللقاء،أنظر مرة أخرى من وراء السياج ،لا يوجد شيء سوى أشجار السرو ،وبإحساس مجهول من الخوف ،رفعت جسدي عن كرسي البلاستيك،ورأيت نفسي أتجه ببطء إلى مصدر الصوت.
سماء الله واسعة ،وأرضه ضيقة لا تتسع حتى شخصين لا يعشقان الله ،ويخيل إلي أن أمشي إلى الخلف:
- حسن ....حسن
همس لا يمكن لأحد أن يسمعه في العالم غيري، همس روحاني.
هل أصبحت أحد الأشخاص المختلين عقليا،أشتري الوهم بسعادة وأضعه في حاوية رأسي،وقعت في غرام صوتها،مضيت نحو الصوت أدور حول البيت بحثا عنها،واصلت البحث تحت شجرة الصفصاف ، وبين العشب على ضفتي الساقية،لم أعثر عليها على امرأتي الأثيرية.
لحظات نادرة،هانئة ومعتمة،المرأة لا تظهر إلا إذا نادتتها باسمها،ساورني الشك إن كان الصوت من رأسي أم هو حلم ضائع،رحت أراقب بحدس العاشقين ،في هذه اللحظة بالذات ،أسمع عنينا من وراء جذع شجرة السرو،ثم أسمع همس خفي:
- حسن ...أنا آمنة
دفقة حب تلعن نفسي،تصنع مني دمية تسحقها تحت قدميها،فأمشي نحوها وأنا أسحق من الدهشة،الكل نائمون،والقمر يميل قبعته فوق الأشجار،يؤرجح ضوءه على الأرض، بينما رأسي منحنٍ إلى البقعة المتسخة،فأبصرت آثار أقدام ، ونقطة دم تلمع فوق عشبة هندباء،ومن مكان مجهول يصلني صوتا:
- أنا هنا
صوت يصنع نجمة خماسية ،ومزيدا من نقط الدم تتلألأ بضوء جديد،قبل أن أخطو خطوة واحدة، تمثل لي الشيء الوحيد الذي أبحث عنه لا ظل له،زيغ،لم تكن عيناي تقعان إلا على أوهام خبيثة،فيما الصوت يصرخ :
- لا تتأخر ...أقترب...
شعرت بعدم الارتياح إلى حد ما،وبدت عيناي كبيرتان،أظن أن هذا الشيء لا يحدث إلا في الأفلام فقط، انتابني شعور من الخوف والانجذاب معا، وعلى خلاف عندما كنت في الجامعة عندما هربت من أمطار حبي الجنونية، لانه كان يكتم نفسي، فأجلس معها في المقصف صامتا، يتفصد العرق من جبهتي، كأني في محرقة ، فقررت الهروب خوفا من الانهيار.
وكعاشق غبي أتخيل آمنة بخيالي الغبي، امرأة تتصاعد من موقد الخيبة، امرأة جميلة تجلس تحت شجرة الصفصاف تغير ثيابها، لكن قلبي بدأ يخفق وبدأت ركبتاي تشعران بالوهن وأنا أتتبع اثر نقاط الدم،تقدمت نحوها، المرأة توقظ الشجاعة في قلب الرجل، لكن يبدو أن لحظة الكشف باتت وشيكة،
صرخت بدون صوت
-
آمنة اخرجي من هذا المكان
لاتزال مختفية، اقتربت أكثر من المنطقة التي يخيمها أنينا سوداويا، وبين تلألؤ قطرات الدم وبريق القمر، لمحت المرأة التي غادرتها في اللاذقية،في لحظة انخطاف الحلم خلفا تذكرت لحظة الافتراق، كنت حزينا ومنكسرا، وكانت تمسك بقوس الفرح المشع من قلب عاشقة،لكننا نحن الاثنان كنا نترنح على حافة الهاوية السحيقة.
النار التي خمدت يستعر أواراها مداورة الاتجاه،الحب الذي خفته ورغبت في أن لايعود، يراودني على نفسي مترعا بالخوف، يجبرني على عيش اليوم الذي مضى مرارا وتكرارا، نظرة أخيرة، تنهيدة أخيرة،لأجل شعرها،عينيها فمها ، لكل شيء فيها، قلت لها في مواجهة من يلفظ نفسه الأخير.
- لا استطيع أن استمر معك.....سأفارقك وأنا أبكي حبي.
لم يتحرك قيها شيء مستفسرا رفضا أو قبولا، بل تفحصت وجهي تستحم بتدرجات الخيبة، صعدت في أنفها رائحة عمياء ،نخرت قلبها، فسالت من عينيها دمعة غاضبة،صبغت الأرض حول قدميها ببقهة حمراء كالدم، وكمحارب منكسر،توغلت درب الهزيمة، مختفيا في عتمة الزحام.
العينان والأعصاب مشدودة إلى مركز الحلم الذي تحقق، غبطة ترجف حواف القلب،أنا متأكد أنها تراني، تتركني وراء فوضى الحواس، وفجأة وفي لحظة رائعة يتحرك ظل أمامي،أفزعني ذلك في البداية،،كانت الدهشة اسبق من الصدمة،امرأة خرجت من خزانة خيالي، لم تغادرني رغم أني غادرتها، خلعت نعلي وطفت في واديها المقدس،بما لا يقوى عليه كثير من العاشقين،لم تتكلم، ولم أتكلم، انحنيت أتحسس حبي عبر ملمس أصابعها، الحب، والخوف، والرغبة، تنبأت لركام البرد في أصابعها، ولبقعة الدم حول قدميها،تهاوى في داخلي أسى الصدمة، فماذا تفعل وأنت أمام أصوات تأتي من وراء المدى بعد تلك السنين.
فؤاد حسن محمد-جبلة-سوريا